حلمت أمس بأني كنت واحداً من المواطنين المطالبين والغيورين ، في غزة للقاء قادة حماس وفتح وقادة الفصائل الفلسطينية ، الذين التقوا في القاهرة مرات عدة وعديدة للاتفاق علي ملف المصالحة وإنهاء حالة التشرذم ، والانقسام ، ولكنهم يعجزوا في كل مرة من الوصول إلي تحقيق الهدف المرجو بالشكل الصحيح ، بعد أن قسموا الشعب إلي فئات وأحزاب ، ودمروا النسيج الاجتماعي ، طبعا إن لم يكن قد فشلوا في الوصول إلي ما يرضي القيادات أنفسهم في التقسيم ، إن زواج المتعة والمحاصصة بين حركتي فتح سيفشل بالتأكيد إن لم يكن علي أسس وطنية مهنية وبمشاركة جميع أطياف الشعب وألوانه المختلفة التي تعددت وتنوعت علي مختلف أشكالها وألوانها .
في الحلم فجاءني سؤال أوجهه إلي كل من عاهد بان يسير علي درب الشهداء وخان العهد ، سؤال أوجهه إلي كل من يحمل أمانة الوطن والمواطن في عنقه ولكنه لم يوف بذلك ، لماذا لم يتوصلوا حتى اللحظة إلى الاتفاق الذي يضع حداً لمعاناة متصلة لمليون ونصف المليون مواطن أرهقهم الحصار وتبعات الانقسام الداخلي ؟؟ ، رغم مرور ما يقارب الخمسة أعوام على جولات الحوار الداخلي في القاهرة وغزة ؟وما هو السبب الرئيسي وراء كل هذا التأخير؟؟ ، في الوقت الذي ينادي ويصرح كل واحد بأنه متمسك بالثوابت الوطنية ويحمل علي عاتقه هموم الوطن والمواطن .
في الحلم لم ألتقط إجابة محددة،ولم أري صورة واضحة للحلم بعد !! كذلك لم أجد من يفسر لي الحلم بشكل عقلاني ومنطقي يقنعني ، رغم أني أتذكر الآن أن علامات التأثر بدت واضحة على القيادات ، بعد أن شاهدوا حدود القنوط الموزع في الشوارع، وعلى أبواب البيوت والمحلات التجارية،ومداخل الحارات وأزقة المعسكرات ، بعد أن تحولت غزة إلى طنجرة ضغط أذابت الحصى، لكنها لم تنتج الغضب بعد، لأن الناس لن ولن يصدقوا أن هذه المرة بات التأكيد بأن كل الحق على الاحتلال!
أما في الصحو، فإن من تابع ما أعلن عن جولات الحوار وما وصلت إليه ، ويسمع تصريحات من هنا أو من هناك مفادها أن جلسات الحوار كانت ايجابية والجلسة القادمة ستكون الأخيرة ، والتي كان من المفترض أن ينتج عن مخاض ولادتها بشرى الاتفاق الداخلي الفلسطيني وإنهاء معاناة أكثر من مليون ونصف المليون أرهقتهم معاناة الحياة وألقت بهم في مهاوي الردى ودروب الحياة ،لاحظت أنا شخصيا وكل من يتابع العراك والمحافل السياسية تغيراً في الخطاب داخل قطاع غزة، وتغييرا في التعامل مع المواطنين ، فبعد أن دبت الحركة التي تسيطر عليه منذ أكثر من خمسة أعوام ، خاصة خلال الأشهر الأولى التي تلت سيطرتها، على الاستعانة بالحشود الجماهيرية لإنهاء حصار غزة وأي حصار يتحدثون ، والحشود التي كانت تستخدم إعلاميا للمناداة بالتوقف عن المعاناة التي يعانيها سكان السجن الكبير ، للي زراع الدول العربية ولا سيما الدول المحيطة ، و لاقتحام معبر رفح أكثر من مرة ، الذي سعت إلى تحويله إلى عنوان للحصار، فلم يعد الأمر كذلك الآن ، لان المواطن وصل إلي قناعة أن السبب الأول والأخير لحصار غزة هما قيادة الفصائل دون استثناء والحكومة المسئولة عن حكم غزة ،كيف لا وبشكل يومي تفرض الضرائب والجباية علي المواطنين بشكل لا يشعره المواطن إلا تدريجيا ، وانقطاع للكهرباء بشكل يومي تحت ذرائع وحجج واهية ، وقد يعود السبب في ذلك، إلى "انفضاض" الجماهير من حول الحركة، أو إلى التراجع في قناعتها بقوة الجماهير، وربما إلى أن جولات الحوار حتى وهي لم تثمر بعد - وبعد كل هذا الوقت - بالاتفاق الذي رافق الجولة السادسة، لوحظ أيضا أن تحليل حماس المعتاد للأسباب التي تحول دون التوصل للاتفاق قد تغير من الحديث عن مطالبة الطرف الآخر لها بالاعتراف بإسرائيل وبشروط الرباعية إلى أن السبب المباشر يعود إلى عمليات الاعتقال لكوادرها في الضفة الغربية.
بالطبع، فإن جوهر الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين يدور حول الضفة الغربية، وغزة باتت خارج إطار هذه الدائرة، لذا فإن حماس بالذات لا تدرك بأنها قد تحولت إلى أول الخاسرين من توجيه الضربة القاصمة لظهر نظام الشراكة السياسي الذي نجم عن الانتخابات السابقة.
باعتمادها نهج الحسم العسكري - الذي تهدد به بالمناسبة، في الضفة الغربية أيضا - لكن السؤال هنا يدور حول وجاهة أن تكفي تلك المبررات للحؤول دون الاتفاق، خاصة أن الرد على الاعتقالات يجري باعتقالات مضادة، فيما الحديث يدور عن كوادر ميدانية، تنتمي للجناح العسكري، والذين يتم اعتقالهم، وهم في أحسن الأحوال، في حالة خلايا نائمة، أي ليس في حالة اشتباك لا مع المستوطنين، ولا مع الحواجز، ولا على الطريق إلى ما وراء الخط الأخضر.
الأهم بالطبع هو أن الاتفاق وحده، هو الذي يضع حداً لكل مظاهر التعدي على الحقوق العامة، السياسية والمدنية، في ظل سلطة عسكرية هنا، وحكم عرفي هناك، ثم يظهر سؤال آخر إجابته عند الجانب المصري، وهو لماذا - رغم عدم تحقق الإعلان المسبق - بأن السابع من تموز الماضي سيكون يوم إعلان الاتفاق، لم يتم الإعلان عن الفشل في التوصل إلى الاتفاق، ومنح الحوار فرصة أخرى حتى الخامس والعشرون من ذات الشهر وانه سيتم الإعلان عن الطرف المعيق للوصل إلي المصالحة وإنهاء الانقسام ؟
البحث عن الإجابة يشير إلى أن الراعي المصري لم يفقد الأمل بعد.
ما أريد من قوله بالمناسبة، هو أن المتحاورين الفلسطينيين، يتصرفون وكأنهم يتحاورون في المريخ أو في لحظة زمنية ساقطة من السماء، لأنهم لو كانوا غير ذلك، وبدافع من وضع حد لمعاناة شعبهم، وإعادة الأمل إليه مجدداً، حتى يعود لممارسة كل أشكال المقاومة ضد الاحتلال، لكانوا قد توصلوا إلى الاتفاق اليوم قبل الغد، وأمس قبل اليوم.
وهذا السؤال نوجهه من غزة بالذات، لأن مليوناً ونصف المليون فيها يعانون منذ خمسة أعوام أو يزيد من الحصار، وهم أكثر من غيرهم من تأذى من حالة الانقسام، لذا فإن حقهم على حماس، التي تتولى السيطرة عليهم، أن تتنازل عن ترددها وأن تسارع إلى الاستجابة لاستحقاقات التوافق. لكن على ما يبدو فإن لمنهج المعارضة العاجية، التي تقارن ما هو قائم بالشكل الأمثل، وليس بين ما هو سيئ وما هو أسوأ، تأثيراً مانعاً، حتى أن فصائل ثمانية اعترضت على "توافقات" الثنائي - فتح وحماس ، أو ما سموه بزواج المتعة .
الوقت من ذهب، ومعاناة الناس والوطن بحاجة إلى وضع حد فوري لها، وبأسرع وقت ممكن، لذا فإنه من المبكر الاعتراض على الاتفاق حتى لو جاء ثنائياً، لأنه لم يخرج بأفضل شكل ممكن، إن الاتفاق هو خير من استمرار الحالة - كما هي عليه - بعد ذلك يمكن تطوير الأمر، واستمرار الجهد التصالحي لتطوير العلاقات الداخلية، حتى تكون على أفضل شكل، خشية أن تجيء اعتراضات الفصائل الأخرى، على اتفاق لم يتحقق بعد، كعامل إضافي معطل للاتفاق نفسه.