المساواة أساس قوة المجتمع
ما لم يعتمد في المجتمع مقاييس كمقياس العلم والعمل فقط ، يرجح الإنسان
في بمجتمع المسلمين بعلمه أولاً ، وبعمله ثانياً ، أما قضايا النسب ،
وقضايا القوة ، والوسامة والذكاء ، والغنى هذه قيم ينبغي ألا تعتمد في
مجتمع يريد أن يكون قوياً .
يروى أن بعض التابعين وهو الأحنف بن القيس كان قصير القامة ، أسمر اللون
أحنف الرجل ، في عرج ، مائل الذقن ، ناتئ الوجنتين ، غائر العينين ، لم
يكن شيء من قبح المنظر إلا وهو آخذ منه بنصيب ، وكان مع ذلك سيد قومه ،
إذا غضبَ غضب لغضبته مئة ألف سيف ، لا يسألونه فيما غضب ، وكان إذا علم أن
الماء يفسد مروءته ما شربه .
أول شيء فعله النبي لإنشاء مجتمع قوي إصلاح ذات البين .
الشيء الثاني أرسى المساواة بين أفراد المؤمنين ، من دون استثناء
حينما تخص ابناً ولا تخص أخاه فقد ميزت الأول على الثاني ، أما القرعة فما
فيها تمييز ، حاول أن تكون عادلاً بين أولادك ، وإذا اقتضى الأمر أن تختار
واحدا منهم فليكن بالقرعة .
ما عاشر النبي واحد إلا وهو يظن أنه أقرب الناس إليه ، كل واحد ممن التقى
مع النبي صلى الله عليه وسلم يظن أنه أقرب الناس إليه ، أما مجتمع إنسان
من الدرجة الأولى ، وإنسان من الدرجة الثانية ، إنسان من الدرجة الثالثة ،
والرابعة ، والخامسة ، الذي ما يعانيه العالم اليوم ما يسميه العنصرية
فما العنصرية ؟
أنا أرى أن البشر يمكن أن يصنفوا تصنيفين ، لا ثالث لهما ، تصنيف
إنساني وتصنيف عنصري ، من هو العنصري ؟ هو الذي يرى نفسه متميزاً على من
حوله ، يحق له ما لا يحق لهم ، وهو معفى مما يجب عليهم ، ينبغي أن يأكل
وحده ، وأن يسكن وحده ، وأن يستمتع بالحياة وحده ، وأن يشتري من الأشياء
الثمينة ما يحلو له وحده ، وأن يبني مجده على أنقض الآخرين ، وأن يبني
غناه على فقرهم ، وأن يبني حياته على موتهم ، وأن يبني أمنه على موتهم ،
وأن يبني عزه على ذلهم ، هذا عنصري .
عنصرية الغرب
الذي نعانيه من الغرب العنصرية ، يعاملون شعوبهم معاملة تفوق حد الخيال
، ويعاملون بقية الشعوب معاملة تترفع عنها الوحوش ، يستخدمون أسلحة الدمار
الشامل لإفناء البشر ، وإبقاء الحجر
العنصرية في الاسلام
لذلك لا يمكن أن ينهض مجتمع بأناس تتم معاملته على أساس طبقي قوي وضعيف ، لا بد من أن يكون الناس سواسية كأسنان المشط .
قال رسول الله:
(( فلا فضل لعربي على أعجمي ، ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى )) .
[رواه الطبراني عن ابي سعد]
قال رسول الله:
(( وأيْمُ الله لَوْ أنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا )) .
[مُتَّفَقٌ عَلَيه]
مثال1: عندما خرج الرسول من مكة إلى المدينة
يوم خرج النبي عليه الصلاة والسلام من قباء باتجاه المدينة وقف الأنصار
داراً بعد دار ، عشيرةً بعد عشيرة ، يدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن ينزل بهم فكان يقول لهم : دعوها ، أيّ ناقته ، فإنها مأمورة ، لو نزل
بأيّ مكان ، بأيّ بيت ، بأيّ عشيرة ، بأيّ قوم ميزهم بلا مرجح ، وجعل
الطرف الآخر أصغر من هؤلاء الذين نزل عندهم .حتى بركت عند المربد ، وفي
ذلك احترام للجميع وإصرار ع لى عدم التمييز بينهم ، وإذا كان نزوله في دار
أبي أيوب الأنصاري فليس في ذلك إحراج أو تمييز ، لأن داره أقرب دار لمبرك
الناقة.
مثال2: أنت في محلك
عندك في المحل التجاري شاب يعمل عندك ، ابنك تريده طبيباً ، تضعه في
أغلى المدارس ، تجلب له أمهر الأساتذة ، أما هذا الذي عندك في المحل يرجوك
أن يغادر المحل قبل ساعة ، ليلتحق بمدرسة ليلية ، لينال كفاءة ، هو يتيم ،
فلا تسمح له ، أنت عنصري ، ولو صليت وصمت .
حينما تعامل الناس بطريقة فيها استعلاء ، وفيها فوقية ، وفيها غطرسة ،
حينما تريد لأولادك ما لا تسمح به لأولاد الآخرين فأنت عنصري ، قد يكون
المسلم في هذا الزمان عنصريا ، لن يرضى الله عنا إلا إذا كنا إنسانيين .
مثال3: معاملة الرسول مع المرأة التي تنظف المسجد عندما توفيت
هل من حرفة أقل في الأرض من أن تكنس ؟ امرأة تقمّ المسجد ، توفيت أصحاب
النبي الكريم ظنوا أنها أقلّ من أن يخبروا بموتها رسول الله ، فلما تفقدها
قالوا : ماتت يا رسول الله ، قال : هلا أعلمتموني ؟ وقام إلى قبرها وصلى
عليها صلاة الجنازة استثناءاً من أحكام صلاة الجنازة هي في قبرها صلى
عليها .
العنصرية جريمة وليست وجهة نظر
الذي نراه في العالم من توحش ، وهمجية ، وقتل أبرياء ، وتهديم منشاءات ، هذه العنصرية بعينها
إخواننا الكرام ، العنصرية ليست وجهة نظر ، إنما هي جريمة ، عندك بنت في
البيت من إندنوسيا ، لا تسمح لها أن تتصل بأهلها إطلاقاً ، أنت عنصري ،
ولو ذهبت إلى المسجد ، كما أنك تشتاق إلى أهلك هي تشتاق إلى أهلها ، حينما
تكلفها فوق طاقتها ، حينما لا تعينها على مهمتها ، حينما تسهرها إلى ما
بعد منتصف الليل ، من أجل أن تلبي حاجاتك حينما لا تعاملها كابنتك ، أنت
عنصري ، عنصري ولو كنت مسلماً .
كنت مرة في محل تجاري ، صاحب المحل يُحمّل أحد موظفي المحل الصغار أثواباً
على ظهره ، أو ثوب الثاني ، الثالث ، الرابع ، قال له : لا أستطيع ، قال
له : أنت شاب حمل ابنه ثوباً واحداً فقال : يا بني احذر ظهرك ، خاف عليه ،
هذا عنصري ، ولو أنك تصلي وتصوم.
لما فتح الفرنجة القدس ذبحوا 70 ألفاً ، فلما فتح صلاح الدين القدس لم يرق قطرة دم واحدة ، إنساني ، مقيد بالشرع ، يخاف من الله .
أيها الإخوة ، العنصري إنسان يرى نفسه متميزاً على الآخرين ، يحق له ما لا
يحق لهم ، عشرة آلاف أسير ، و30 عضو مجلس شعب في فلسطين اعتقلوا ، و8
وزراء ، وشعب لبنان بأكمله لا يساوي جنديين أُسرا ، ما اسم هذا ؟ عشرة
آلاف أسير ، و8 وزراء ، و30 عضو مجلس برلمان ، وشعب لبنان بأكمله ، لا
يساوون جنديين أُسرا ؟! هذه عنصرية
الإنسان إما أن يكون متصلاً بالله فهو إنساني ، وإما أن يكون منقطعاً عنه فهو عنصري .
بعض الخادمات ينتحرن أحياناً من قسوة المرأة في البيت ، تلقي بنفسها من
الطابق الرابع فتموت ، لا تحتمل قسوتها ، الضرب ، والإيلام ، عنصرية ، ولو
صلّت وصامت ، وسوف يعاقبها الله عقاباً شديداً .
المؤمن إنساني ، يعامل الناس كما يجب أن يعاملوه ، يرحم الغريب والقريب ، يرحم الآخرين كما يرحم أولاده .
إذاً المساواة بين الناس بند إسلامي .
والحمد الله رب العالمينمنقول عن:السيرة – فقه السيرة النبوية – الدرس (43-57) : إقامة النبي (ص) في منزل أبو أيوب وتحقيق المصالحة والمساواة
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2006-07-24 |
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]