أي دولة تتحدثون !!
كانت صورة خيالية تدق ناقوس كل مواطن فلسطيني منذ قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 م ، بأن غزة ستكون سنغافورة الشرق الأوسط الثانية ،وتكون عنوانا مرفوعا لرؤية الدولة الفلسطينية التي يجب أن تكون ، والتي عملت منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها الراحل على حشد الناس في فلسطين حولها. قيل للناس حينها إن فلسطين ستكون بلدا متقدما مثل سنغافورة، التي كانت ترفع رأسها في الشرق الأسيوي بفخار كواحدة من النمور الأسيوية.
وأمام تلك الصورة الخياليّة البراقة والتي كانت حلما وتبخر ، بدأ بعض الناس بالتخلّي عن قناعاتهم حول رفع الاحتلال عن كل فلسطين، وصار هنالك مجال لقبول الاحتلال على الأرض طالما أن جزءا من هذه الأرض سيكون سنغافورة. وسال اللعاب على الأموال التي ستضخ في هذه البلاد، واشرأبت الأعناق في انتظار عبور المكائن، ونقل التكنولوجيا التي ستغيّر وجه الأرض وواقع العيش فيها.
فاليوم وبعد أن تبخر الحلم الذي كان موجودا يطل علينا الدكتور فياض ليبني دولة المؤسسات عام 2011 ، ويحدد أركانها فبدلا من أن تكون سنغافورة أصبحت دولة اللامركزية والمؤسسات ، ومن جهة أخري يطل علينا الدكتور هنية وينادي بقبول دولة علي حدود الرابع من حزيران 1967م ، فعن أي دولة تتكلمون وانتم في حالة من التردي الاجتماعي والنفسي ، ما هي خططكم وبدائلكم لمواجهة ناقوس وخطر البطالة والفقر المحدق ، ما هي الأسس التي استنيتوا عليها دولتكم التكنولوجية المثالية المعاصرة .
لنكون مع الواقع فضلا عن المثاليات في الوقت الذي احتفلت به بريطانيا قبل أشهر بعدم انقطاع الكهرباء مدة أكثر من عشرين سنة من الزمن لم تنقطع الكهرباء ببريطانيا لو لمدة ثانية ، نحتفل نحن بغزة كل يوم بانقطاع الكهرباء أكثر من عشر ساعات يوميا ، لإبعاد سياسية تحت مظلة الحصار ، من الجانب الصحي محاليل وأدوية ومستحضرات طبية يعاني منها قطاع غزة ، مع العلم بان هناك أطنان من هذه المواد قد دخلت ومازالت تدخل ، أين تذهب؟ ،هناك مواد اغاثية وموالدات كهربائية دخلت ، أين ذهبت ؟ الفقر الذي استفحل أزقة الشوارع ، واستكان بهموم الناس ، المياه التي نعاني من شحها ، وغير ذلك فالحياة أصبحت هنا جحيم ولا تطاق ، ونقول شعب محاصر
أي دولة تتكلمون وانتم لا تملكون القرار من ذواتكم ، بل بمؤثرات خارجية . وإقليمية .
أضع الصورة المنشودة أمام الواقع البائس على شواطئ غزة وفي أزقتها وحاراتها!، أتلمّس تفاصيل المشهد على ذلك الجزء المرشح لأن يكون جغرافية تلك الدولة الموعودة، فلا أجد إلا وصف "طورا بورا"! حيث لا أمان ولا نماء ولا رخاء، بل إمعان في ترسيخ الفقر والبطالة وحرمان حرية الرأي ، وبالعكس من غزة الضفة الغربية وما يمارس فيها من انتهاكات صارخة ، ومزيد من الحرمان للناس حتى صار أكثر من نصف سكان هذا الجزء من فلسطين تحت خط الفقر ، بل إن ما يزيد عن 83% .
وبالطبع لم يقف الحد عند ذلك الوضع من الفقر، بل يستمر اليوم حصار غزة، في ظل صمت الأنظمة العربية وحكام المسلمين، كما صمتوا على أوضاع طورا بورا. ليؤكد الواقع المحسوس صورة المشهد "الطورابوري .
ففياض اليوم سيعيد فكرة سنغافورة ، وهنية طورا بورا والدولة العثمانية ، فإذا كانت المسافة هائلة بين سنغافورة وطورا بورا، وإذا كان البعد واسعا بين خارطة الدولة وخارطة الطريق، وإذا كان الفرق كبيرا بين رئيس الدولة بالمفهوم السياسي ورئيس البلدية الكبيرة حسب المفاهيم المتعارف عليها ، وإذا كانت مقومات الدولة الموعودة لا تتعدى معونات بيد الأجنبي أو من يأتمر بأمر الأجنبي، وإذا كان صلاح الدين حقيقة ودون كيشوت خيالا طفوليا، فلا أقل من أن نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية، ولا أقل من أن نشخّص الوقائع كما هي، لا كما تطرحها الأحلام أو كما تعاش في الأوهام. ونبقي نحلم بأضغاث أحلام .
قديما قالوا :-
" نحن أحق بالعدل من كسرى " كتأكيد ضروري لحفظ العدل بين الناس بهدف أن يؤخذ للمظلوم من الظالم وبهدف أن لا يعتدي قوي على ضعيف ، وبهدف إشاعة العدالة الاجتماعية وحرية العبادة وحرية الكلمة وحق التملك وحفظ الأبدان والأعراض ، وما إلى ذلك من قيم أساسية في حياة المجتمع الراشد والأمة البالغة والراعي الأمين والرعية المبصرة !! واليوم لا يسعني على ضوء ما اسمع وأرى إلا أن أقول " نحن أحق بالعدل في أنفسنا من أي تدخلات خارجية سواء أكانت عربية أو أروبية .
فإذا ارتم قيام دولة بالمعني المرجو ، أو تحقيق أحلامكم وأحلام شعبكم كما تزعمون ، عليكم ، أولا: إصلاح ما بينكم وإنهاء حالة التشرذم التي آلت إلي تضييع معالم الهوية التاريخية الفلسطينية ، وجعلتها في مهب الرياح ، وإنهاء معاناة أبناء شعبكم الذي ذاق الويلات والآهات بسببكم ، وبسبب غيركم .
أقول بالختام وبلا ندم عليكم أن تنزلوا إلي الشارع وتسمعوا هموم مواطنيكم بدلا من الاستماع إلي تقارير وزرائكم ومندوبيكم الذين لا يحملون عنكم وزرا يوم القيامة .
أطيب أمنياتي